🌿 الرجال في الإسلام: جوهر الرجولة بين الإيمان والمسؤولية
في عالمٍ امتلأ بالضجيج والمظاهر، تاهت معاني الرجولة بين المظهر والجوهر، وبين الصوت العالي والعقل الهادئ.
لكن الإسلام — في حكمته الربانية — أعاد تعريف الرجولة من جديد، لا بوصفٍ جسدي أو مقامٍ دنيوي، بل بمعيارٍ سماوي يجعل الرجولة حالةً من الصدق والثبات، ومسؤوليةً أمام الله والخلق.
💎 الرجولة في ميزان القرآن
يُقدّم القرآن الكريم الرجولة على أنها صفة روحية وأخلاقية قبل أن تكون بيولوجية أو اجتماعية.
قال تعالى:
> ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب: 23)
﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (النور: 37)
فهؤلاء الرجال لم تُبنَ رجولتهم على القوة الجسدية أو الثروة، بل على الصدق في العهد والثبات في المبدأ.
هم الذين لا تلهيهم الأسواق ولا تغريهم المناصب، لأن قلوبهم معلّقة بالسماء مهما اشتبكت أيديهم في أعمال الأرض.
⚖️ الرجولة مسؤولية وليست سلطة
قال الله تعالى:
> ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: 34)
كلمة قوّامون لا تعني التسلّط أو التفوّق، بل القيام على الرعاية والعدل والحماية.
الرجل في الإسلام ليس سيدًا على المرأة، بل خادمًا لأمانتها، راعيًا لكرامتها، مسؤولًا عن إقامة العدل في بيته كما يُقيم الصلاة في محرابه.
فالرجولة تكليفٌ، لا تشريف، وميدانها الخدمة لا السيطرة.
🌙 الرجولة في السنة النبوية
قال النبي ﷺ:
> "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي."
وقال أيضًا:
> "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب."
فالرجولة في سُنّة المصطفى ﷺ هي حُسن الخلق، وضبط النفس، والرحمة بالأضعف.
الرجل القوي ليس من يصرع الناس، بل من يصرع هواه.
وليس من يفرض حضوره بالعنف، بل من يزرع أثره بالعدل والحنان.
⚔️ الرجولة في ميادين العطاء
الرجال الذين صدقوا، هم الذين يجاهدون بعملهم وكلمتهم وسعيهم، لا فقط بسيوفهم.
فيهم التاجر الصادق، والعالم المخلص، والمجاهد الصابر، والأب الذي يعلّم أبناءه القيم قبل الكلمات.
كل من أقام في قلبه محرابًا لذكر الله، ووفّى بعهده رغم المغريات — فقد بلغ مقام الرجولة القرآنية.
🌺 الرجولة في بعدها الروحي
الرجولة الحقيقية ليست في الهيئة، بل في الصفاء الداخلي.
هي نورٌ في القلب قبل أن تكون مقامًا في المجتمع.
هي صدق مع الله، وثبات على المبدأ، ورفق مع الناس.
هي أن تمشي على الأرض بقلبٍ خاشع، وتترك أثرًا طيبًا لا يُمحى.
الرجال الذين ذكرهم الله هم أولئك الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم، وإذا دُعوا إلى الصلاة تركوا الدنيا خلفهم، وإذا وعدوا وفوا.
الإسلام لا يصنع رجالًا بالعضلات، بل يصنع رجالًا بالضمائر.
رجالًا يحملون الأمانة كما حملها الأنبياء،
ويُضيئون الطريق كما أضاء أصحاب رسول الله ﷺ الأرض بعدله وصدقه.
> فالرجولة — كما أرادها القرآن —
ليست أن تكون فوق الناس، بل أن تكون لله،
لا أن تُظهر القوة، بل أن تُخفي الرحمة،
لا أن تملك الدنيا، بل أن تملك نفسك.

hm.siddig73@gmail.com